الفضيل بن عياض: نبذة عن حياته وأقواله
نبذة عن حياته
الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي اليربوعي (107-187 هـ/725-803 م) هو أحد أشهر الزهاد والعلماء في تاريخ الإسلام.
ولد في سمرقند ونشأ في بيئة مشحونة بالعلم والتقوى. بدأ حياته كرئيس عصابة قبل أن يتحول إلى زاهد تقى، ويمضي بقية حياته في خدمة الدين والنصح للمسلمين.
كانت بداية توبته عندما تسلق جدارًا ليسرق أحد البيوت، فإذا به يسمع تلاوة لآية من القرآن: “أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ” (الحديد: 16).
تأثر الفضيل بهذه الآية تأثرًا عميقًا، وقال: “بلى يا رب قد آن”. وبعدها قرر أن يترك حياة الجريمة ويبدأ حياة جديدة في طاعة الله. انتقل إلى مكة المكرمة وأقام فيها، حيث أصبح من كبار الزهاد والعباد، وكان مجلسه مليء بالعلم والنصح.
أقواله وأحواله
الفضيل بن عياض له العديد من الأقوال التي تعبر عن عميق فهمه للدين والتقوى. هذه الأقوال تُظهر حِكمته وإخلاصه في النصح للمسلمين.
1. في الصدق والإخلاص:
– “العمل بلا إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملاً، ينقله ولا ينفعه.”
– “إنما يريد الله منك نيتك وإرادتك.”
– “من كان لله كما يريد، كان الله له فوق ما يريد.”
هذه الأقوال تبين أهمية الإخلاص في العمل، حيث يعتبر الفضيل أن الأعمال تكون بلا قيمة إذا لم تكن خالصة لله ومطابقة للسنة.
2. في العبادة والتقوى:
– “إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار، فاعلم أنك محروم مكبل، كبلتك خطيئتك.”
– “من عرف الله أحبه، ومن عرف الدنيا زهد فيها، والمؤمن لا يأنس إلا بذكر الله.”
– “طوبى لمن استوحش من الناس، وكان الله أنيسه.”
الفضيل يرى أن العبادة هي السبيل إلى التقرب من الله، وأن من يحرم من هذه العبادة هو محروم بسبب ذنوبه ومعاصيه. كما يشير إلى أن معرفة الله تقود إلى حبه، ومعرفة الدنيا تقود إلى الزهد فيها.
3. في حسن الخلق:
– “إذا قيل لك: هل تخاف الله؟ فاسكت، فإنك إن قلت: لا، كفرت، وإن قلت: نعم، كذبت.”
– “ما حج ولا صام ولا جاهد من لم يسلم المسلمون من لسانه ويده.”
– “احذر أن تكون فاكِهَة مجالسِ الناس.”
هذه الأقوال تبرز أهمية حسن الخلق في الإسلام، حيث يعتبر الفضيل أن الأعمال العبادية لا تكون كاملة إلا إذا اقترنت بحسن الخلق وحفظ حقوق المسلمين.
4. في الزهد والورع:
– “إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة.”
– “إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا، فنافسه في الآخرة.”
– “ما بلغني عن أحد من الناس أنه تكلم فيَّ إلا زدت في الصلاة والدعاء له.”
الفضيل بن عياض يشدد على أهمية الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، ويرى أن الفقيه الحقيقي هو الذي يزهد في الدنيا ويتطلع إلى ما عند الله.
5. في النصيحة والإرشاد:
– “المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير.”
– “إياك أن تذل مؤمناً أو تضحك عليه، فيصيبك الله بموت قلبك.”
– “أصلح سريرتك، يصلح الله علانيتك.”
هذه الأقوال توضح فلسفة الفضيل في النصيحة والإرشاد، حيث يرى أن المؤمن الحقيقي هو من ينصح إخوانه بالستر ولا يفضحهم، ويحث على إصلاح الباطن لأن ذلك يؤدي إلى صلاح الظاهر.
6. في التقوى والخوف من الله:
– “خَفِ الله على قدر قدرته عليك، واستحِ منه على قدر قربك منه.”
– “لو أن الدنيا كانت ذهباً يفنى والآخرة كانت خزفاً يبقى، لكان ينبغي أن تؤثر خزفاً يبقى على ذهبٍ يفنى، فكيف والآخرة ذهب يبقى والدنيا خزف يفنى؟”
الفضيل كان يركز دائمًا على أهمية التقوى والخوف من الله في حياة المؤمن. وكان يؤكد على ضرورة التفكر في الآخرة والابتعاد عن متاع الدنيا الزائل.
7. في الصبر والرضا:
– “الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذابه.”
– “الرضا عن الله في الشدة والرخاء هو سمة المؤمن الحق.”
الفضيل بن عياض يعتبر أن الصبر والرضا هما مفتاح السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة. كان يرى أن المؤمن يجب أن يكون راضياً بقضاء الله وقدره في كل الأحوال.
8. في التوبة والإنابة:
– “من عرف الله أحبه، ومن أحب الله أطاعه، ومن أطاع الله دخل الجنة.”
– “التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فعليك بالتوبة النصوح.”
الفضيل بن عياض كان دائمًا يحث على التوبة والإنابة إلى الله، ويرى أن التوبة الصادقة هي السبيل الوحيد لنيل رضا الله والفوز بالجنة.
الخاتمة
الفضيل بن عياض يمثل نموذجًا للزاهد الورع الذي تحول من حياة الجريمة إلى حياة التقوى والزهد. أقواله تعكس عميق فهمه للإسلام وحرصه على نقل هذا الفهم للآخرين. كانت حياته مليئة بالحكمة والنصح، واستطاع من خلال أقواله وأفعاله أن يكون مصدر إلهام للكثيرين ممن يسعون إلى التقرب من الله وعيش حياة خالصة له.
الفضيل بن عياض كان مثالاً للتائب الصادق، وقد قدم من خلال حياته وأقواله نموذجًا للزهد والتقوى. ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الإسلام، ويظل تأثيره مستمرًا عبر الأجيال من خلال الأقوال والحكم التي تركها لنا. لقد كانت حياته مليئة بالدروس والعبر، وكانت أقواله تفيض بالحكمة والمعاني العميقة، مما يجعله واحداً من أبرز الشخصيات في تاريخ الإسلام.